استضافت مجموعة الأواصر الافتراضية الباحث أبو العباس ابرهام حيث ناقشه أعضاء المجموعة حول اشكالات الدين والدولة والقبيلة في العالم العربي (موريتانيا نموذجا) وتعرض الباحث في بداية المقابلة التي احتضنتها المجموعة مساء الجمعة الماضي لطبيعة المحاورة المفتوحة معربا عن رغبته في اثارة الاسئلة الكبرى والمساهمة في التفكير حول المسائل المثارة أكثر من تقديم الاجابات حولها.
هل نجحنا في العبور من القبيلة الى الدولة في موريتانيا؟
“يمكنني ان اجيب بالقول أنه لا يوجد تاريخ ”للعبورات” من القبيلة الى الدولة وبالتالي فان ما يوجد هو مجرد عبور متفاوت من منطقة إلى منطقة، ومن مجال لمجال (….) طبعا، يميز المؤرخين والانتربولوجيين ما بين النمط الأوروبي في تحول الدولة إلى كيان وهويات دينية من خلال سلطة الكنيسة الدولتية او من خلال قدرة الدولة السلالية على امتصاص البطون والعشائر وتحويلها الى كيانات فوق العشائر والقبيلة وهذا النموذج كان موجود في المناطق الحضرية من العالم الاسلامي (….).
بالنسبة لموريتانيا في اعتقادي أن الدولة الوطنية قوت من شوكة القبيلة مقدمة لها تشكلات لم تكن تمتلكها قبل قيام الدولة الحديثة!، ..هذا التطور لا يمكن فصله عن عملية ”الدمقرطة” حيث يحتاج الى ان تخاطب انتماءات و أواصر جديدة قادرة على أن توظف انتخابيا وبالتالي حصل ان خلقت تمثلات و أدوار جديدة لم تكن القبيلة تعهدها”.
ورفض الباحث أبرهام ان يكون الخلاف بين ”التقدميون” و“الرجعيون” بشان القبيلة ليس ان القبيلة لا تضمن مستوى معينا من التكافل الاجتماعي بل ان نمط التكافل الاجتماعي الذي تضمنه القبيلة يتناقض مع نمط التضامن الاجتماعي ”التقدمي” عند الدولة، فمثلا الاشتراكي يحب التضامن الاجتماعي ولكن لا يوده في اطار القبيلة بل داخل الدولة وبالتالي فان القبيلة تحقق نمطا معينا من التكافل الاجتماعي ونمطا معينا من تعزيز اللحمة الاجتماعية ولكنه ليس هو النمط الذي ينتج مواطنة مجردة يتجاوز العصبية ويحس فيها الافراد بالمساواة كما تطالب بذلك الادبيات التقدمية والاشتراكية”.
وعدد الباحث الفضاءات التي تعبر عن قوة القبيلة ومدى قياس قوتها؛ فذهب الى القول بأن القبيلة ”لم تعد تحتكر السلاح فالذي يحتكره حاليا الدولة – توجد ممارسات قائمة على امتلاك الافراد للسلاح-(….)و يجب أن ننتبه الى أنه بقدر ما تقوى القبيلة بقدر ما تضعف في جوانب أخرى معينة … بمعنى انها لم تعد محتكرة للمساحة ولا للرعي ولا للهوية الوحيدة ..ولا للموارد ومع ذلك فهي لا تزال قوية نسبيا. وفي العالم العربي فيه مجتمعات قبيلية وتوجد دول غير قبلية ويعبر عن الفئة الأخيرة المغرب” ويستطرد الحديث حول الفئة الاولى التي تتضمن دولا قبلية مثل اليمن وليبيا وهو يحسب موريتانيا ضمن هذه المجموعة.
و خلال الاجابات التي تعرض لها الباحث لم يخفي الضيف تشاؤمه ”من الممارسات السلطوية خلال العقود الثلاثة الماضية، فبعدما كان بإمكانها ان تنتج مجتمعا مواطنا لا حظنا العكس حيث تتسع الفوارق وتتكرس الطبقية بين طوائف المجتمع” واردف يقول بان توقعاته هذه لا تعني الحتمية فقد تأتي تطورات جديدة تحمل معها مجتمعا اكثر انسجاما(…)؛ طبعا الصراعات الطبقية موجودة في كل مكان وفي كل زمان ومجتمع المساواة التامة والكاملة هو إما حلم طوباوي او هو نتاج ممارسات فاشية ونازية فقد كانت الاخيرة تأمل ان تلقي كل التعارضات المجتمعية. واضاف ابو العباس ابرهام قائلا : ”في اعتقادي ان مثل هذا التنافر بين المكونات والشرائح الوطنية تنتجه الدولة ومن المتوقع ان يستمر على المدى المتوسط والبعيد”.
وشكك في فرضية أصول لحراطين السودانية، ذكرا ان بعض الانتربولوجيين المستعمرين مثل (دي فو كو) بالجزائر واسماعيل حامد (يوميات موريتانيا) واخرين من امثال ( لا شاتيليه)، فمثلا بعض هؤلاء الدارسين (كشارل دي فو كو) فقد أشار الى ان لحراطين قد يكونون قادمون من قبائل الاقزام بوسط إفريقيا.
و أضاف مستطردا في هذا المنحى ”ياتي الخلط دائما من الاستخدام الزماني والمكاني لكلمة ”السودان” ما بين شرق افريقيا إلى غربها، …وعموما يحصل تمايز دائم لدى العرب ازاء مثل هذه التوصيفات فتطلق تسمية السودان والنوبة والاحباش ثم لحراطين ويرتبط كل ذلك بتجارة الرقيق.
واعتبر ان تمهين المنظمات الحقوقية يبقى عصيا ما دام الانطباع السائد بشان خطاباتها يكرس اللغة التمييزية والسياسية وترفض تعميم قيم حقوق الانسان، ويحتاج الحكم على مثل هذه المنظمات اجراء دراسات ميدانية لم اجريها وكل ما أود قوله هو ان هذه المنظمات تقع في اخطاء مهنية تشكل مصدر قلق لنا جميعا ما دمنا نرى أن المجتمع المدني له دور يوازي ويكمل دور الدولة.
وحول اليسار في موريتانيا اكد الباحث الضيف ان القوى التقدمية لا تزال ضعيفة حيث تظل تجارب اليسار متناقضة فيما بينها وغير متفقة، ”على المدى المنظور ومع تفاقم المعضلات والتحديات قد تظهر برامج تصب في اتجاه الوعي بالحل اليساري” بما في ذلك تحقيق العدالة والمساوة المجردة وقوة الدولة وتعرض الضيف في مداخلاته للعديد من الملفات القانونية والاجتماعية ولمسائل فلسفية وميتافيزيقية بالإضافة الى استعراض بعض الجوانب المتعلقة بعلم الأديان.
و أدارت المناقشة الزميلة ندى المنى وهي طالبة وباحثة في مجال الصيرفة الاسلامية بالجامعات المغربية كما تترأس اللجنة الاعلامية لمنتدى الأواصر.