محامي ضحايا الإسترقاق : تحصين الوحدة الوطنية يبدء بتسوية المظالم والتجاوزات

أكد محامي ضحايا العبودية في موريتانيا الأستاذ العيد محمدن أمبارك على خريطة ممارسات هذه الظاهرة تظهر بشكل جلي على صعيد ولايات الحزام الحدودي (الحوض الشرقي، باسكنو وامبيكت لحواش..) ثم في آدرار و ولاية تيرس الزمور (لمغيطي و بير ام اغرين)، وأضاف بأن العاصمة أنواكشوط تحتضن العديد من السوابق القضائية بما في ذلك الملف الشهير للأخوين ”سعيد ويرك” الذي شكل سابقة قضائية لقانون 2007 وفي أنواكشوط يعمل ولد أمبارك على مؤازرة العديد من ملفات الإسترقاق لحساب منظمة ”نجدة العبيد” التي يترافع بإسمها لدى المحاكم المختصة بجرائم الإسترقاق، واضاف يقول في مقابلة اجرتها معه مجموعة منتدى الأواصر الإفتراضية أنه يتابع ملفات مفتوحة في ولاية داخلت انواذيب وفي ولاية العصابة، وشدد على القول بان ظاهرة الرق تبقى ”منتشرة حيث اتابع شخصيا ملفات عشرات الضحايا لدى القضاء الموريتاني.. إنها ملفات تحوي بين ثناياها ضحايا ومتهمين واحيانا احكاما قضائية تنتظر التنفيذ”!.
وحول جوانب تقييمه للوضع الحقوقي على المستويين النظري والتطبيقي أكد على ريادة الجانب النظري في بلادنا فموريتانيا صادقت على اغلبية الإتفاقيات والمعاهدات الدولية والأممية، ثم عززت ذلك باقرارها لترسانة من القوانين المحلية كقانون تجريم الممارسات الاسترقاقية للعام 2007 وقانون الرق المعدل سنة 2015 والإطار المؤسسي يساعد في ذلك كإنشاء وكالة للتضامن.لكن الضيف تحدث لرواد المجموعة حول البون الشاسع بين الجوانب النظرية والتطبيقية فالنصوص القانونية والمؤسسية ظلت حبرا على ورق ولم تنعكس على أرض الواقع الا نادرا، فلا القانون طبق على أرض الواقع ولا الضحايا تكفل بهم، كما ظل الافلات من العقاب سائدا.
وأعاد الضيف الأسباب المباشرة لاستمرار الظواهر الاجتماعية المقيتة والمشاكل المطروحة الى التفريط في معضلة العبودية وتهميش لحراطين والتي رأى أن حلها يعد البوابة الحقيقية إلى ”الإنسجام والتعايش الإجتماعي” المشترك والمضمون ”بوصفها نتاج عهود من الحرمان والقهر والممارسات الخاطئة للدين الاسلامي، ينضاف الى ذلك انعدام الحكمة داخل الاوساط الاجتماعية (مثقفين ، رجال دين) وسلطات حاكمة دأبت على جحدان الحقيقة”.
ونفى الاستاذ العيد؛ أن تكون المحاكم المختصة بجرائم العبودية ان يكون انشاؤها جاء استجابة لرغبة المجتمع المدني والذي كان اهتمامه الأساس يقتصر في الحض على تطبيق القانون مكتفية بدور المحاكم العادية في هذا المجال؛ ”ما دامت السلطة العليا ممثلة برئيس الجمهورية تنفي علنا وجود الرق فان ضباط الشرطة القضائية سيظلون عرضة للخوف والتردد واحيانا يجد هؤلاء مخرجا في اعادة تكييف الاتهام لتصير التهمة بدلا من جريمة العبودية تتحول الى تهمة اخرى كتشغيل القصر مثلا”!؟
وحول انتشار المحاكم المختصة بجرائم الاسترقاق أكد الضيف على وجود ثلاثة محاكم واحدة في أنواكشوط والأخريات متواجدات في انواذيبو (شمالا) والنعمة (شرقا)؛ وكل واحدة من هيئاتها تتوفر على ملفات لضحايا انتهاكات متصلة بظاهرة الاسترقاق..”مع كل هذا لم تجري سوى محاكمة واحدة تتعلق بملف جرى تداوله يوليو 2016 بمدينة النعمة (الحوض الشرقي).
“اذا ما استبعدنا ملفات القصر فكل الملفات التي وجه فيها الاتهام بممارسات استرقاقية او صدرت فيها احكام بالإدانة لم يتم التعامل بها كما يفرض القانون”…وحول طبيعة الملفات وعناصرها قال الاستاذ العيد محمدن أمبارك ”كل ملفات العبودية ترتبط عادة بأسر مكونة من 6 أفراد الى 9 وقد تصل إلى 15 شخص تجمع بينهم القرابة العائلية وممارسة السلطة الكاملة او الجزئية على ضحاياهم من المسترقين”.
وجوابا على أسئلة العشرات من أعضاء مجموعة ”منتدى الأواصر الافتراضية” تعرض الضيف للعديد من المحاور المرتبطة بالانتهاكات المسجلة في موريتانيا ضد حقوق الإنسان بما في ذلك المفاهيم النظرية للتطبيقات الديمقراطية واهمية ترسيخ ابعادها في شتى مناحي الحياة.
“اللجنة الوطنية لحقوق الانسان للاسف الشديد هي مؤسسة استشارية ويقتصر دورها على تقديم تقرير سنوي لرئيس الجمهورية وهو تقري غالبا لا يقدم جديدا على صعيد الممارسة وعلى مستواي الشخصي لم اطلع على دعم مقدم من قبل هذه المؤسسة او مؤازرة قانونية تؤديها فهذه المؤسسة تشبه مؤسسات اخرى موجود شكلا لكنها خاوية على عروشها للأسف الشديد”، وكان هذا جوابا على سؤال يعرض لدور اللجنة الوطنية لحقوق الانسان.
وبشان الحلول المقترحة من قبله بشأن المظالم وظواهر التهميش في موريتانيا بصفة عامة اقترح الضيف الاستاذ العيد محمدن أمبارك انه من الضروري البدء بالإقرار بوجود مظالم وان تساعد مؤسسات الدولة في ايجاد الحلول الملائمة لذلك، وان يجري ذلك وفق مقاربة تتوخى تحصين الوحدة الوطنية و تقديس العمل والانتاج وان نغفل صفحات البنيات الماقبل الدولة وصولا الى دولة المؤسسات التي تحمي الافراد والمجموعات على قدم المساواة والعدل.
وعلق الضيف على ما يسميه البعض بعقدة الذنب لدى الموريتانيين ومحاولات اخفاء التجاوزات وتفشي ظاهرة الإفلات من العقاب فاكد على انه يجب ان يعرف الجميع ان ”موريتانيا ليست إستثناء من غيرها الدول التي شهدت انتهاكات جسيمة في ظل الدولة الوطنية أو داخل الأوساط الاجتماعية نفسها، يمكنكم استلهام التجربة المغربية أو الجنوب افريقية او المالية او الأرجنتينية وغيرها من الدول التي اتجهت الى تطبيق العدالة الانتقالية حفظا للذاكرة الجمعوية للضحايا وتحصيل الاعتراف من قبل المجرمين والجلادين ثم التعويض للضحايا مع التعهد بعدم تكرار الممارسات والانتهاكات و وضع قوانين رادعة للمتجاوزين واحداث مؤسسة مختصة بالانتهاكات والتجاوزات المسجلة”؛ يقول ولد أمبارك.
وردا على سؤال لفاطمة منت سيدنا اجاب الضيف بأن ”المستعبد الذي يشعر بالفوقية والضحية الذي يشعر بالدونية هما وجهان لعملة واحدة باعتبارهما مجرد ”ضحايا”… مع ان الدولة الرسمية تعمل على تكريس الوضع القائم فالذي كان يمارس الاعمال الدنيا كالرعي او ”اتنمري” هو اليوم بواب او فراش يعيش البؤس واللذين كانوا أسيادا هم في الوقت الحالي غالبا مدراء ورجال اعمال يتقاسمون ثمرة النفوذ. في حين الوضع الصحي يجب ان يكون مختلفا وعادلا”.
وأضاف من اجل إعلان موريتانيا خالية من العبودية يجب على السلطات التوقف عن نفيها كممارسة وتفعيل القانون وتطبيقه واشراك المجتمع المدني وتحديد خارطة للعبودية التقليدية فضلا عن العبودية العصرية.
وتساءلت منى كدار؛ عن الموقف القانوني والحقوقي من ازدياد حالات الاغتصاب في موريتانيا والتحرش العنيف ضد المراة فأجاب الضيف : ”القانون الحالي مقصر في مجال حماية المغتصبات مع ضعف في العقوبة الرادعة للجناة..! كما لا يوجد تعريف واضح لجريمة الاغتصاب، كما ان عملية اثبات الجريمة يبقى شبه مستحيل،.. فالمجرم يمتنع عن الاعتراف كما ينعدم الشهود، ومن النادر ان يوجه قرينة الاثبات الى فحص (الدي ان اي) وينضاف الى ذلك عدم وجود اي نوع من انواع المساعدة النفسية للفتيات ضحايا الاغتصاب والاعتداءات الجنسية.
ردا على سؤال لحمود النباغة حول تقييم مسيرة الدولة الموريتانية اضاف الضيف ان ”الانقسامات تطغى على صفوف الجبهة الداخلية حيث توجد ظروف اقدم من النظام الحاكم وأخرى ساهم بدوره في تكريسها، وعلى المستوى الاقتصادي فان عشر سنوات من عمر النظام الحاكم يجب ان تكون كفيلة بتحقيق الطفرة المنتظرة ويمكن القياس على الحالة التركية التي تولى ادارة حزب رجب طيب اردوغان سنة 2004وتعيش حربا على حدودها كما تزيد على 80 مليون نسمة لكنها شهدت في ظرف وجيز كهذا تحولات كبرى بينما الحالة الموريتانية تعيش وضعا مغايرا حيث تتفشى مؤشرات الفساد والبطالة وانعدام الفرص، بالإضافة الى تأزيم علاقاتنا مع دول الجوار بما في ذلك المغرب وشخصيا اعود اليوم من السنغال حيث تشعر الجالية بالترقب والقلق والخوف من اي تطور قد تتسبب فيه انواكشوط للعلاقات بين البلدين”.
وبشأن الإرث الانساني الذي تطرق له ابوبكر سي اجاب الضيف ”بان قانون 2011 الذي حصن المتورطين في ملفات الارث الانساني ووضع عوائق عديدة دون متابعتهم لكن يبقى استخدام الآليات الدولية لمن أراد متابعة المتورطين في تلك الانتهاكات وهي عموما آليات معقدة الى حد بعيد لكنها متاحة متى تحقق ”الاختصاص الدولي الشامل” لدى بعض الدول كما يحصل في فرنسا او بلجيكا التي تتيح لنفسها النظر في الجرائم المرتكبة ضد الانسانية وجرائم التعذيب بغض النظر عن مرتكب الجرم او جنسية الضحايا ومكان وزمان ارتكاب الجريمة أو الجرائم.
يذكر ان الضيف الاستاذ العيد محمدن أمبارك هو من مواليد العام 1979 بمقاطعة كرمسين (ولاية الترارزة)، وهو حاليا عضو المجلس الوطني لنقابة المحامين الموريتانيين ونائبا لرئيس الإتحاد المغاربي للمحامين الشباب وبذلك يكون محاميا ذا كفاءة دولية، كما انه محامي من منظمة نجدة العبيد وعضو نشط وقيادي في ميثاق لحراطين.
اما المحاورة فقد أدارها عضو المكتب التنفيذي لمنتدى الأستاذ عالي كولي وهو مهندس ألكترونيك مقيم بالولايات المتحدة بالإضافة إلى الأستاذة سلكها ممود وهي حاصلة على شهادات عليا في مجال الترجمة (الفرنسية و العربية والانجليزية بالإضافة إلى الصينية).

تعليقات الفيسبوك