نظم منتدى الأواصـر ورشة نقاشية (فوكيس جروب) حول “المسألة العقارية واحترام الملكية الفردية للأرض في موريتانيا”، وذلك مساء الأحـد الموافق 15 أكتوبر2017 بنزل مام جارا (الحي M بولاية أنواكشوط الغربية).
انعقدت هذه الحلقة التفكيرية في اطار تنفيذ منتدى الأواصـر لخطة عمله السنوي 2017-2018 والتي تتضمن تنظيم الحلقات النقاشية الشهرية والتي يتوقع ان يشارك فيها 300 شخص من قادة الرأي والفكر والمواقف، وتحضرها كافـة المكونات، و الاثنيات والأعمار ومجموعات المصالح وقادة المجتمع المدني. وخلال هـذه الجلسات تتم اثارة الموضوعات الأكثر حساسية وأهمية لدى الموريتانيين بصفة عامة.
ورشـة حول “تحديات المسألة العقارية واحترام الملكية الفردية للأرض في موريتانيا”، التأمت بحضور دعاة حقوق الإنسان والخبراء والباحثين في المجالات القانونية وقضايا التعايش، وهكذا شارك في الحلقـة النقاشية كل من :
الأستاذ العيد محمـدن أمبارك، محام معتمد لدى المحكمة (داعية حقوق الانسان)؛ الأستاذ بونه الحسـن (المحامي لدى المحكمة)، والسيد أندياي ييرو (ممثل منتدى منظمات حقوق الانسان في موريتانيا)؛ والسيدة لالـه عيشة (منتدى منظمات حقوق الانسان في موريتانيا) والسيد أسلموا ولد عبد القادر (ناشر دراسة حول النزاعات العقارية ووزير سابق)، أحمد ولد البو ، صحفي، الشيخ ولد صمب (سكان شمامة)، والسيد يعقوب ولد السالك (منتدى الأواصر)، والسيد حمادة أبنيجارة (رئيس منظمة مجتمع مدني)، والدكتور محمود لله ولد بيرام (جامعي وباحث)، الربيع ولد إيدومو (صحفي استقصائي)، والدكتور ديدي ولد السالك (رئيس المركز المغاربي للدراسات الاستراتيجية)، والأستاذ لمرابط ولد محمد الخديم (رئيس الجمعية الوطنية للتأليف والنشر)، والسيد الوالد المامي معطالله (مستشار في المجلس البلدي ليغرف-باركيول)، والسيد شوقي ولد محمـد (ناشط سياسي)، ومكفولة منت ابراهيم (فاعلة جمعوية ومدونة)، والمهندس أحمد سالم الدكله (ناشط في المجتمع المدني)، والدكتور أبوبكرن يحظيه (منتدى الأواصر-مقررا) والاستاذ محمد ولد حبيب الملقب الشيباني (منتدى الأواصر-مسهلا للنقاش).
وأعتذر عــن الحضور لأسباب مختلفة كلا من : المهندس حمود ولد النباغة (فاعل جمعوي وداعية حقوق)، وشيخنا (اتحاد المزارعين بموريتانيا)، ومحمد لمين سيدي مولود (كاتب ومدون) والسيدة النائب المعلومة منت بلال (الجمعية الوطنية) والسيدة فاطمة منت المصطفى (ناشطة في المجتمع المدني)، والاستاذ محمد ولد أمين (روائي ومحام).
فيما شمل الغياب كلا من : الاستاذ ابراهيم بلال رمظان (رئيس هيئة الساحل) والدكتور أحمد ولد نافع (رئيس قسم الاقتصاد الاسلامي بجامعة العيون للدراسات الاسلامية)
المدخـــل
استهلت الحلقة النقاشية بكلمـة للزميل الاستاذ محمد ولد حبيب الملقب الشيباني تمحورت حول تقديم منتدى الأواصر باعتباره مجموعة تفكير تم انشاؤها من قبل شبان يتوقون للمشاركـة في بناء موريتانيا على أسس من الانصاف والعدالة وذلك وفــق مقاربة تعتمد على تشجيع الحوارات بين المجتمعات الموريتانية. وذكر مسهل الحلقة النقاشية أن منتدى الأواصر انجز حتى الآن العديد من الأنشطة والفعاليات المبرمجة بما في ذلك الندوات النقاشية والحلقات النقاشية والتحاور الافتراضي عبر وسائل التواصل الاجتماعي وأضاف بأن جميع الأنشطة والفعاليات يمكن الرجوع اليها عبر الموقع الالكتروني للمنتدى أو من خلال قناته على اليوتوب.
ثم قـدم العروض المتوقع مناقشتها خلال الورشـة والتي تضمنت:
- عرضا حول “المسألة العقاريـة والتحولات المجتمعية داخل الأوساط الريفية” من إنجـاز الأستاذ العيـد محمـدن أمبارك؛
- عرضا حول “الممارسات المؤسسية والتطبيقات الإدارية بشأن الملكية العقارية داخل الوسط الحضري” من إنجاز الاستاذ بونا الحسن؛
ثم مساهمة من قبل السيـد أنْدَاي يَيْرُو؛ تمحورت حـول : “خبرات منتدى منظمات حقوق الإنسان في موريتانيا FONADH في مجال تسيير النزاعات العقارية على مستوى ضفة نهر السنغال”.
في البداية؛ أعرب الأستـاذ العيـد محمـدن عـن امتنانه لأعضاء منتدى الأواصـر لتنظيم هذا النشاط وتكريمه بالتحدث حول المضوع المثار. و أشار إلى كون الخطوات الأولى المتخذة لتشريع ملكية الأراضي تعود إلى الحقبة الاستعمارية والتي أعادت تنظيم ملكية الأراضي في غرب أفريقيا الفرنسية بموجب المرسوم المؤرخ 26 يوليو 1932 والذي بموجب أحكام المادة الأولى منه تنص علـى أن الغرض من حيازة الأراضي هو ضمان حقوق أصحاب الملكية الحقيقية لممتلكاتهم غير المنقولة الخاضعة لنظام ضريبة الأملاك، والمسجلـة بموجب مقتضيات يحددها المرسوم.
“يتم الحصول على هذه الوثيقة عن طريق التقييد على كناش الأرض، حيث يتاح لكل ملكية فردية خانة خاصـة ومفتوحة، تتضمن جميع الحقوق الحقيقية المتعلقة بصاحبها”. و اضاف بأن الحق الحقيقي الذي يعرف بكونه قائم على “علاقة قائمة بين شخص والموضع الذي يقع تحت سلطته. إن جوهر الحق الحقيقي هو أنه يحتج به في وجه الكل. ولذلك يجب أن يكون المرجع بشأنه متاح للجميع”.
على هذا الأساس تكمن أهمية الإشهار العقاري. ويتجاوز هذا الأخير ليطال حماية الأطراف الثلاثة، وإن كان ذلك ضروريا؛ ليكون خادما ومرجعا لأي استثمارات زراعية، أو صناعية أو تجارية. والواقع، أن هذا المصطلح لا يمكن أن يستغني عن رأس المال وبالتالي يظهر الوظيفة التجارية الجديدة للأرض.
ولم يكن من الممكن تصور النظام التقليدي لحيازة الأراضي الموريتانية قبل الحقبة الاستعمارية، يقول الاستاذ العيد خارج المفهوم الأفريقي التقليدي لوظيفة الأرض. وهو المفهوم الذي لا يمكن بأي حال أن يكون موضع اعتراف بالحق في الملكية الخاصة.
إن الأصل في ملكية أي كائن تكمن في وسيلة اقتنائه او الحصول عليه : فمؤلف العمل هو مالكه. وفي حالة ما إذا كان العمل قـد أنجز بطريقة جماعية، فإنه يكون ملكية جماعية.
لا شيء من هذا القبيل يمكن أن يحدث عندما يتعلق الأمر بالأرض. فليست ملكيتها في أفريقيا ثمرة لأي عمل بشري. و أيضا، لا يمكن لأحد أن يمارس أو يكتسب أرضا بصفتها حق ملكية تخصه.
وفي الواقع، فإن القانون العرفي يميز لصالح المجموعة على حساب الفرد، ولا يعترف بأن الفرد يمكنه أن يبسط ملكيته الكاملة على الأرض، بالمعنى القانوني فـإن (USUS) تفيـد الحق في استهلاك الملكية، بينما تفيـد (FRUCTUS) الحق في استخراج الثمار والدخـل، وفي هذا الاطار تفيـد (ABUSUS) الحق في الاستخدام، ولذلك لا يمكن أن يؤدي استخدام الارض إلى إنهاكها : فالأرض غير قابلة للضياع.
استطاعت الحقبة الاستعمارية ادخال جملة من التحسينات، من خلال القانون المدني من جهة، ومن جهـة أخرى تضمن ذلك نظام التسجيلات العقارية.
ان السبب وضع نظام مدني يكمن في الاهمية التي يوليها المستعمر لتشريع المبادلات العقارية من اجل تمكينه من تحقيق اهدافه.
ظـل تطبيق هذا النظام خاضعا للتمييز، فكان من المفارقات أنه في حالة ما اذا تعلق النزاع بالرعايا الفرنسيين او المجنسين.، وهكذا، فعلى سبيل الذكر، فعندما ينشب نزاع بين موريتانيين يتم استحضار وتطبيق العرف والاحكام المحلية؛ وفي حالة ما اذا نشب خلاف حول المعاملات القانونية والتجارية بين فرنسيين و وطنيين فـإن الاستعمار يلجأ لاستخدام القانون العقاري الفرنسي الجاري العمل به.
بناء على نظام القانون المدني، توفير الحماية الاشهارية لحقوق الآخرين من خلال شكليتين هـما : النسخ (la transcription) والتسجيل (l’inscription).
ومن أجل التغلب على جميع الصعوبات التي قد تتركها مقتضيات القانون المدني حاول المستعمر تنظيم الدعاية للحقوق والحتميات العرفية.
جرت أول محاولة لتنظيـم نشر الحقوق العرفية من خــلال المرسوم المؤرخ بـ8 أكتوبر 1925، ثـم في المرسوم الصادر بتاريخ 20 مايو 1955، الذي يلغي ويستبدل المرسوم المثير.
بالنسبة للمرسوم المؤرخ بـ20 مايو 1955 فقد كان له هدفان:
إنشاء سجل إداري لجميع الأراضي والحقوق التي تدعمها.
تحديد حالة هذه الأراضي فيما يتعلق بالأفراد والمجتمعات المحلية.
ويبدو أن الهدف من هذا النظام يكمن في التعبير عن الرغبة الواضحة للاستعمار الفرنسي والتي تتضمن بالدرجـة الأولى تنظيم ودعـم الدعاية لاستغلال الأراضي بغرض استخلاص الفوائد الاقتصادية منها.
في تونس على سبيل المثال، تم تطبيق نظام السجل العقاري للمرة الأولى بموجب قانون يوليو 1885 على الأراضي الخاضعة للنفوذ الفرنسي.
وأنهى المحاضـر، هذا المحاور بقوله “بعد أن رأينا بعض الجوانب البارزة في تشريعات ما قبل الاستقلال، من الضروري الآن أن نرى تطور التشريعات العقارية في موريتانيا ما بعـد العام 1960.
يقول الأستاذ العيد محمدن إنه منذ حصول موريتانيا إلى الاستقلال عن فرنسا الاستعمارية، تم اصدار نصين أساسيين يختصان بالمسائل العقارية، وهذين النصين يتعلقان بالقانون رقــم 60.139 والمرسوم رقم 83.27.
إن الغرض الأساسي من قانون 60.139 يرتبط بتنظيم الحقوق العرفية حيال العقار، وهي بدايـة موفقـة حيث كان المشرع يسعـى لاعتماد تشريع عقاري يأخذ في الاعتبار الخصوصيات العرفية المحلية. ونصت المادة 3 من القانون المذكور على ما يلي : ” يؤكـد العرف على الملكية العقاريـة خاصـة اذا كانت الأرض تحت حيازة واضحـة ودائمة على الأرض”، وتضيف مقتضيات المادة 4 من القانون المذكور، أنه يجوز للأفراد تسجيل الحقوق العرفية والإعلان عنها.
ويبدو أن غرض المشرع، من خلال ترشيد العمل بالقانون 60.139، قد استجاب للشواغل الرئيسية للسلطات العامة التي كانت تسعى إلى إيجاد سبل ووسائل للسيطرة على أكبر قدر من التراب الوطني حيث تشكل الأرض عاملا أساسيا في تصميم و وضع كل السياسات الاقتصادية والاجتماعية.
في هذا الصدد؛ تنص المــادة 1 من القانون 60.139 على أن “الأراضي الشاغرة أو غير المملوكة تتبع لملكية الدولة، كما ينطبق الحال نفسه على الأراضي غير المسجلة أو التي لم يترك عليها أثر امتلاك او استغلال لأكثر من 10 سنوات.
أيضا المباني التي هي موضوع حيازة مؤقتة يتم تسجيلها باسم الدولة، بعد الانتهاء من الاستخدام يمكـن أن تمنح نهائيا في الأخيـر باسم المالك.
إن الاستثناءات الوحيدة فيما يخص الاقتطاعات التي تم تسجيلها فعليا أو التي توجد عليها حقوق تسمح لأصحابها بالوصول الى ملكية عقارية لفائدته الخاصة.
ان إلغاء القانون 60.139 أسفـر في جوهره من بعض التردد ذا الطابع الاجتماعي الملاحـظ هنا وهنالك، لهذا جاء الامر القانوني رقـم 83.127 ليحـل محل القانون رقم 60.139.
وبإصـدار الامر القانوني رقم 83/127 الذي ينطوي على الرغبة في إعادة تنظيم الأراضي والملكية العقارية، أراد المشرع أن يلائم قانوننا العقاري مع متطلبات العالم المتحضر.
وفي الواقع، فإنه ومنذ فترة طويلة، أصبح الزعماء التقليديون يفرضون بأنفسهم حق الحيازة والاستيلاء الحصري، وهو ما يتناقض مع مبادئنا في العدالة الاجتماعية والإنصاف.
وثانيا، يبدو أن إدارة الأراضي عرفيا شكل عائقا كبيرا أمام تنمية الاستثمارات و الابتكارات.
أخيرا، وفق مقتضيات الأمر القانوني رقم 83.127، فإن الدولة لديها حق الملكية وترث الأحكام التقليدية القديمة ، وبالتالي فإن الدولة بات لديها القدرة على التنظيم ، والتأمين ومراقبة استخدام الأراضي لفائدة تعود على جميع السكان.
وتنص المادة الأولى من الأمر القانوني 83/127 على ما يلي: “الأرض ملك للأمة، ولكل الموريتانيين، دون تمييز من أي نوع، كما يجوز وفقا للقانون أن تجزء الملكية”.
وتجدر الإشارة أيضا إلى أن هذا الأمر القانوني يتيح الملكية الفردية تدريجيا.
وفيما يتعلق بإجراءات التسجيل، فمن الضروري الإشارة إلى المادة 9 من المرسوم 84.009 المطبق للأمـر القانوني رقم 83.127، التي تنص على ان: “الاجراءات التقاسم الودية على المستوى الشخصي، تلزم أن تخضع للإشراف والموافقة من قبل السلطة الإدارية المحلية وأن يجري تقييدها في سجل عقاري خاص”.
وفي نفس السياق، ينشأ في كل المقاطعات سجل عقاري مخصص لحفظ الاتفاقات والقرارات المتعلقة بتقاسم الأراضي الجماعية.
و يجب أن تخضع كل عملية نقل للملكية للتقييـد في السجل العقاري.
أخيرا، بنفس السياق يخضع القانون 60-139، والأمـر القانوني 83-127 كل منطقة لأحكام تنظم الترقيم في السجل العقاري.
على النحو التالي:
- بالنسبة للأراضي الواقعة في المناطق الريفية: بعد استغلالها والحصـول على الملكية النهائية، يمكن للمالك أن يحـول المباني باسمه الشخصي.
- بالنسبة للأراضي الواقعة في المناطق الحضرية : بالنسبة لهذه الأراضي، فإن مصالح العقارات تلتزم بإجراءات التسجيل باسم الدولة، والأراضي الخاضعة لخطط اعادة التقسيم باستثناء القطع المسجلة مسبقا وتلك التي توجد بشأنها حقوق تسمح لأصحابها بأن يسعوا لحسابهم الخاص على الحصول على سند ملكية عقاريـة.
- بالنسبة للأراضي الواقعة في المناطق الصناعية والتجارية والحرفية: يكون إصدار ملكية الأرض إلزاميا في نهاية فترة الاستغلال.
وفي الختام، أكد الأستاذ العيد، على أن تحليل النصوص المختلفة للنظام تسجيل العقارات على المستويات المختلفة يظهـر أنه قادر على تلبية احتياجات السكان والسلطات العمومية. وعلى الرغم من ذلك، فإن جميع المباني الموريتانية تقريبا لا تزال غير مسجلة ولا تحترم مقتضيات القانون المتعلق بالإشهار العقاري، وهذا يجعل القانون الموريتاني بشأن العقار محل تعارض وتناقض فيما يتعلق بالنصوص ومستوى تطبيقها على أرض الواقع.
وقـدم الأستاذ بونه الحسـن (محام لدى المحاكـم الموريتانية) عرضا حول “الممارسات المؤسسية والتطبيقات الإدارية بشأن الملكية العقارية داخل الوسط الحضري”؛ وقد تطرق في بداية مداخلته لمسألة الاصلاحات العقاريـة باعتبارها مخبرا غاب عنه :” التمييز بين الوعي الثقافي الاجتماعي العلمي والوعي الدعائي المتأثر بالتلوين السياسي؛ وكان ذلك وراء صياغـة مجموعـة من النصوص لا تعكس بالضرورة واقع ما ينبغي أن تكون عليه العلاقات الاجتماعية وتحديد الملكية وحمايتها بقدر ما يعكس تناقض مصالح جهات التأثير في القرارات المختلفة” المرتبطـة بالإصلاحات العقارية، وطالب المتدخل بضرورة مراجعـة التشريعات حتى تغطي مختلف الجوانب وبإحداث محاكم متخصصة ومخصصة للنزاعات ذات المنشأ العقاري، ثـم أضاف الاستاذ بونه الحسن :” الدول المجاورة استفادت من التقنين المعمول به خلال فترة المستعمر وأضافت نصوصا تتماشى وحذفت ما لا يلائم وضعيتها”، داعيا المشرع الموريتاني الى الاقتداء بتلك المقاربات.
بالرغـم من أن المحاضـر أفرد جزءا معتبرا من مداخلته لإدارة الأملاك العقاريـة باعتبارها “أكثر الإدارات تنظيما وذلك على وجه الخصوص في الجانب المتعلق بالسند العقاري، وهـو باختصار عبارة عن جنسيـة للعقار يبدأ ميلادها من رسالة المنح إلى أن تستكمل كافة إجراءاته بمقرر تفرض فيه السلامة من العيوب”.
وفيما يتعلق بما يعرف برخصـة الحيازة فإن الأمر القانوني رقم 127/83 قد نصت مادته الثالثة على إلغاء حيازة نظام ملك الأرض التقليدي، ونص في المادة السادسة على أن الحقوق الجماعية المكتسبة شرعا حسب النظام السابق والخاصة بالاستصلاح الزراعي يجب أن تعود لفائـدة أولئك اللذين ساهموا في الاستصلاح الأصلي لتلك الأراضي وكل اللذين ساهموا في استمرارية قابليتها للإستغلال..، وأضاف المحاضـر “هذه المادة فيها كثير من السلبيات في بعض الجوانب غير أنها كرست حق (العمال) الثابت في الأراضي التي تم استصلاحها بسواعدهم وتلك مزية غير قابلة للتجاهل”.
واضاف الاستاذ بونه الحسن أنه بسبب القصـور الملاحظ في الأمر القانوني الصادر بتاريخ 1983 والمراسيم المطبقة له فإن القضاة يتجهون لنصوص مجاورة قصد استكمال الصورة التي تسمح لهم بإصدار الاحكام ومن تلك المصادر القانون المدني رقم 126/89 الصادر بتاريخ 14/09/1989 وتعديلاته اللاحقة وذلك لحل مسائل كالكراء والوقف والارتفاق والشفعة والشيوع والرهن وغير ذلك مما يتعلق بالمسألة العقارية، “غير أن بعض المسائل الأكثر أهمية لا يزال بحاجة الى توضيح يسترشد به القاضي، كما هي الحالة في موضوع الالتصاق..!”.
وختم المحاضر أن الباحثون في مجال الدراسات القانونية يتركون المجال لإحالات عامة في الفقه المالكي تختلف أحيانا من حاشية الحطاب إلى حاشية الدرديري أو نوازل الونشريسي وعلوش والعيلمي وغيرها مما دون في فتاوى أهل افريقية.
بالنسبـة، للسيد أنجاي ييرو، ممثـل منتدى المنظمات الوطنية المعنية بحقوق الإنسان (FONADH)؛ فقـد اهتم في مداخلته بتجربته في تسيير النزاعات العقارية على مستوى ضفة النهر، وبصفة خاصة السكان الزنوج (التكارير) على مستوى الضفة الوسطى، والذين يجدون انفسهم غير راضون عن محاولات الدولة الاستحواذ على الأرض لفائدة خصوصيين؛ “بالنسبة لهؤلاء فالتقاليد تفرض أن تظل الأرض محل ملكية جماعية غير قابلة للقسمة، وأي تصرف في هذه الأرض يعد بمثابة اعتداء سافر على الحقوق الأصلية لسكانها”.
و أورد السيـد انجاي ييرو، نقلا عن دراسـة للباحث مام سيك (وزير سابق) حملت عنوان : “احواض نهر السنغال : الجوانب العقارية والتنظيمية في تنمية المحاصيل المروية” المعدة لمنظمة استثمار نهر السنغال-1985 (OMVS)، والتي تتضمن في صفحتها رقـم 147 ما يلي : “وبصرف النظر عن بعض المراكز الحضرية، خارج المراكز الحضرية، فإن الدولة ليس لديها حق واسع في ملكية الاراضي، بسبب قوة وانتشار الأعراف التقليدية، فالدولة تقدم نفسها على أنها تلك التجمعات والمناطق القبلية التي لا تمتلك الدولة سلطة تذكر عليها. وعلى سبيل المثال، فحتى السنوات القليلة الماضية، لا تزال المجتمعات التقليدية تدعي ملكية انواكشوط، عاصمة الدولة الموريتانية”. وهكذا الحال يقـول السيد أنجاي ييرو بالنسبة للعديد والباحثين الذين انجزوا على نحو موثق “دراسة اجتماعية – اقتصادية حول أحواض السنغال (1986) لفائـدة منظمة استثمار نهر السنغال” (OMVS)، وتخلص الدراسـة إلى هيمنة الحيازات التقليدية على الأرض. وتحت عنوان فرعي يظهر أن “الساحل الموريتاني يتميز بغياب القانون المعاصر”. و نتيجة لذلك، شهدت موريتانيا تنازعا طويلا بيـن النظم القانونية التقليدية وبعض مقتضيات القانون الحديث في المسائل المتعلقة بالأراضي. وحول هذه المسألـة طالب المتحدث بالعـودة الى مساهمة السيد ب. كروس: “الحجج التقليدية ومنطق الدولة. تضارب الممارسات والاستراتيجيات العقارية في سياق مشروع تهيئة أمبان في موريتانيا ” (دراسـة صادرة عـن كارثالا1986-باريس).
وفي هذا الصدد؛ قـدم السيد انجياي أمثلة على حالات تتعلق بالأراضي على مستوى بوكي وروصو (حالة ثيامبين والمحيط الزراعي) وفي لبراكنه (دار البركة، وما إلى ذلك)، وقد دفعت هذه الحالات ساكنة قــرى الضفة إلى تنظيم أنفسهم في تعاونيات بهدف الاستفادة من القروض الزراعية المقدمة من صندوق الإيداع والتنمية (القرض الزراعي) لاستغلال المناطق المكتظة خلال فترة الركـود. وتوجه المبالغ التي يحصل عليها المزارعون إلى شراء المدخلات الزراعية مثل الأسمدة لتخصيب التربة والمساهمة في زيادة المحاصيل، ولكن أيضا من اجل شراء وقود للمضخات. واضاف المحاضـر أن الزراعة لا تزال النشاط الأكثر مزاولة على مستوى الضفـة. كما أن كافـة المجموعات العرقية عرفت أو مارست مهنة الزراعة ولكن بدرجات متفاوتة. كما ان هذه الممارسة تجري عادة ما بين يونيو إلى يناير حسب الظروف والسنة. وبالإضافة الى هذا فهنالك ثلاثة أنواع من المحاصيل المزروعة : المحاصيل المطرية والمحاصيل الراكدة والزراعة المروية.
النقاشــات
تتالت المداخلات اثر اكتمال عروض الخبراء حيث انصبت الاتجاهات العامة للمناقشة في التعليق على العروض واقتراح الحلول المناسبة للمسألة العقارية وذلك وفق النقاط والمحاور التالية :
ضرورة إعادة تنظيم وتطوير النصوص التي تنظم المجال العقاري لإعطاء مساحة أكبر لحيازة الممتلكات الفردية أو الجماعية، وهـو ما يفرض إلغاء قانون الإصلاح العقاري لعام 2014 بحيث يتم إيلاء الاهتمام بشكل خاص لضحايا العبودية والأشخاص الذين يعانون من آثارها.
كما ناقش المشاركون التعاريف المختلفة للمسألـة العقارية والملكية العقارية في موريتانيا والنتائج المترتبة عليها بسبب الضغوط الاجتماعية التي تؤثر تأثيرا كبيرا على حيازة وملكيـة الأرض من قبل “السـادة” على حساب العبيد؛ في هذا الاتجاه أورد مشاركـون المشكلة المثارة من لـدن سكان قرى لكصيبة2 واللكات، ولبزازيل..وغيرها من القرى الواقعـة على طريق روصـو-بوكيه والتي تظـل التعاونيات الزراعية المقامة من قبل سكانها غير قادرة على النفاذ الى القرض الزراعي لدى صندوق الإيداع و الإئتمان. لكون هذه الأراضي تظل موضع نزاع عقاري ومع هذا فإن التواطؤ حاصـل مع الزعامات التقليدية من قبل الإدارة وبالتالي هـم وحدهم من يستفيد من القروض الزراعية.
أعرب مشاركـون عـن غبطتهم إزاء اهتمام منتدى الأواصـر بتنظيم المناقشات بشأن قضايا التماسك والتعايش الاجتماعي؛ كما طالبوا المشاركين في الورشـة بالضغط من اجل معرفـة ماذا يود المشرع الموريتاني أن يقول عندما ينص في القانون العقاري على أن الأرض ملك للأمة أو الدولة التي يخالف فيها القانون غالبا عندما يتم منح الأرض حقا أو خطأ للذين سيصبحون مصدرا دائما للصراع على مستوى الضفة.
اقترح مشاركـون القيام بحملات توعوية لتحسيس السكان والرأي العام حول اهمية الاستثمار الاجنبى فى مجال استغلال المجال العقاري مؤكدين على جلب التمويلات من شأنه أن يعود بالفائدة على مستوى تحسين الظروف المعيشية للسكان المحليين، مقدمين العديد من الأمثلة التي يمكن الاستشهاد بها على صعيد المناطق المروية لمنطقة دار البركة في ولاية لبراكنة والتي لا يملك سكانها أية معلومات عن مساحة 3200 هكتار يتم استغلالها حاليا دون علمهم من قبل مستثمرين عرب. كما طالب المتحدثون بالاتجاه الى البحث عن حلول عادلة ومنصفة للسكان بالتعاون مع المجتمع المدني.
وتطرق متحدثون من ضمن المشاركين في الورشـة لانعدام التكافؤ في الفرص في امتلاك العقار خاصة بالنسبة للمواطنين المنحدرين من مجتمع لحراطين وهو مجتمع يقتصر في بعض وظائفه على الحراثة والفلاحة واستغلال الأرض دون أن يتاح لهـم الحـق كاملا في امتلاك الأرض التي يزرعونها، وأورد المتحدجثون في هذا المجال ذكـر النزاع العقاري الدائـر على مستوى دغفك التابعة لمقاطعة باركيول (ولايـة العصابة) وهـو النزاع االذي تعرضت لطبيعته وسائل الاعلام وصفحات التفاعل الاجتماعي على نطاق واسع.
وتحدث في الورشـة بعض الضحايا حيث ركزوا في مداخلاتهم على وصف نزاع عقاري أصدرت فيه محكمة مقاطعة كيرو حكما لصالح خصومهـم اللذين هـم وفق المنطق القانوني يمثلون الارث العرفي وثقل سطوة القبيلة، وأكد الضحايا أن القانون تم تسخيره بحيث جرى اعتقال وسجن النساء الحرطانيات (من بينهن حامل) وتسليم الحقول المزروعة للسادة السابقون.
وتساءل بعض المشاركين عـن الأسباب التي أدت الى ان تستمر الملكية القبلية على الأرض رغم ما تثيره من حساسيات وعرض بالقاعدة القانونية التي تقول أن “الأرض ملك لمن يستغلها” على الحائط، وبما أن وجود الدولة الحديثة من شأنه أن يضمن المساواة بين جميع المواطنين أمام القانون.
وناقش المشاركـون مكانة القيم الثقافية في المجتمعات المحلية، ومدى المناعة التي قـد تظهرها هذه القيـم في وجه التغيرات المتلاحقة ورياح العولمة المتلاحقـة والقوية والتي تتجه لتكتسح المجتمع الموريتاني دون اعتبار للتقاليد والخصوصيات الثقافية، كما استعرض البعض التحديات التي تواجهها المجتمعات المعاصرة وما قـد يعرض لها مـن اضطرابات يحتمل أن تؤثر على هياكلها؛ السياسية والاجتماعية والثقافية.
وأوصـى المشاركون في الورشـة (الفوكيس جروب) في نهاية اشغالهـم بما يلي:
- تطبيق الخطة التوجيهية الوطنية للتهيئة (سدنا)
- تحديث التشريعات الوطنية المتعلقة بالأراضي
- مواءمة النصوص التنظيمية المتعلقة بالإصلاح العقاري.
- يجب على الدولة اعادة تخصيص الأرض لفائدة السكان المحليين
- اجراء دراسات الأثر الاجتماعي والاقتصادي في مجالات التدخل
- تسهيل وصول الفئات الهشة إلى الأراضي، وبصفة خاصة ضحايا آثار الاسترقاق والإرث الانساني.
- احداث مفتشيات عامة للإشراف ومراقبة توزيع الأراضي.
- منح المزيد من السلطة للإدارات اللامركزية للدولة على المستوى الجهوي بما يسمح بإصدار سندات الملكية العقارية.
- ضرورة السماح بإصدار التراخيص للتعاونيات الزراعية
- ضرورة الاعتراف ضمن القانون العرفي للأشخاص الذين يستغلون الأرض بامتلاكها
- إعادة تنظيم أثر القانون العرفي وحصـر مجالات الملكية الجماعية
- إعادة تنظيم الفلاحين وفقا لمضامين المذهب المالكي فيما يتعلق باستغلال وحيازة الأرض.
تقرير وتلخيص أعـد من طرف الدكتور أبوبكرن يحظيه
ترجمـه إلى العربيـة : عبيـد إميجـن