القدس كما زرتها فـي عام فائت! (الحلقة 1/2) |بقلـم عبيد اميجن (اعلامي ورئيس منتدى الأواصر)

يزور القدس سنويا 3 ملايين سائح من بينهم 5% فقط عرب أو مسلمون (أتراك، ماليزيين أو أندنوسيين..) أما الآخرون فهـم غالبا مجموعات يتم استقطابها وتسخيرها من قبل الدولة العبرية لأهداف دعائية وسياسية فالأدiلاء السياحيين الإسرائيليين يحرضون على زيارة المزارات الدينية اليهودية بما في ذلك المسجد الأقصـى الذي يقدم لهؤلاء على أنه مسجد أقامه المسلمون على “هيكل سليمان” المزعوم وأن الدليل على ذلك هـو حائط المبكى اسفل المسجد فيسهل توجيه السياح ضد المقدسيين ومنعهم من التواصل مع السكان الأصليين.

وفي نفس الوقت تـزدهر داخل أوساط العالم الإسلامي مزيد من الفتاوى المجنونة التي تمنع على العرب والمسلمين زيارة الأقصـى أو المسجد الإبراهيمي أو كنيسة القيامة بالقـدس والتي يقع بجانبها المسجد العمري أو كنيسة المهد ببيت لحم حيث انتبذت مريم العذراء طبقا للقصة القرآنية، وكنا على علـم بأنه منذ العام 2012 يحتدم داخل الأوساط الدينية والأيديولوجية جدل لا ينتهي حول هذه المسألة وحول ما إذا كانت زيارة القدس والمسجد الأقصى تشكل دعما للفلسطينيين أو تطبيعا مع اليهود؟، هذا فضلا عن الموانع الاسرائيلية التي أعقبت فشل اتفاق أوسلو والدعايات الغوغائية المرافقـة للصراع، ان من يهتم بالوقوف على مثل هذه التفاصيل لن ينجز فعلا نضاليا يذكر.

ففي فلسطين تتعرض المقدسات الدينية عموما للتهويد قبل ان تقتلع من أصحابها وتقام على أديم الأحياء والمرتفعات مزيد من المستوطنات العنصرية و المعابـد والملاهي مع ما يرافق ذلك من اضطهاد وتنكيل. وقد ألف الفلسطينيون مثل هذه السلوكيات تماما كما اعتادوا على الاكليشيهات التقليدية لوقوف اخوتهم العرب والمسلمين الى جانبهم والتي غالبا ما تمر عبر اصدار وريقات تعاد طباعتها في كل مرة لتتضمن “بيانات الإدانـة والشجب”، إنها كراريس لا تكفي إطعام احدى معزاة خالتي المامية وقـد تفضل عنها عشب آوْكًارْ الأًبْكًـْم!

أما الشعب الفلسطيني فقـد مل تلك الفتاوى والنوازل الفقهية التي يتنازل محرروها عن أرض لا يعرفونها ولم يختبروا عن قرب السياسات الاستيطانية التي حدثني عنها مزارع بدوي من فلسطين فقال إن “الاستيطان صنو للاستعمار لكن ميزته الأساس أنه يتقلع الأرض ومن ثمة يحييها فورا ويمتلكها أبدا!”، بالنسبة للمقدسيين فالأمل الوحيد لتقويض سياسات الاقتلاع يكمن في تواصل المساندة الشعبية وتوسيع قاعدة المؤازرة لمساعـدة الســكان الأصلاء والوقوف إلى جانبهم، هذه الجملـة لم اكن أتوقع أن تتحول إلى شعار يهتف به النشطاء الدوليون خلال مشاركتنا في المظاهرات ضد الجدار العازل بالقرب من قرية بلعين (16 كلمترا من محافظة رام الله والبيرة)، إن هذه القرية تعد بمثابة النموذج الأبرز للمقاومة والصمود الفلسطينيين فغداة وصولنا كانت القرية على موعد مع احدى المظاهرات والاحتجاجات السلمية وكان يتحتم علينا كفريق دولي المشاركـة فيها، في هذه المحطـة النضالية في حياتي كان علينا اختبار أنياب المواجهة لدى سلطات الاحتلال الاسرائيلي عندما اقترابنا من جـدار الفصل العنصري حيث ووجهنا بعشرات القنابل المسيلة للدموع والمثيرة للأعصاب في الآن ذاته وقــد تمكن رئيس تحرير روز اليوسف المصرية أيمن عبد المجيد من إلتقاط احدى الصور لشخصي في لحظة ما كنت اخالني سوى جريح تنتشلتي سيارات الاسعاف او معتقلا تتبادله سجون الاحتلال، ولكـن لا بأس فقـد كنت حديث عهد بزنازين بلادي!.

كانت دورة القدس تهدف الى اعطــاء الانطباع بأن اتحاد الصحفيين العرب غيــر معنـي كثيرا بدائرة الاستقطاب الكلامي ولا بالموانع الايديلوجية التي لا تنتهي ولا تثمر عن أشياء مفيــدة، بل انها قسمت أصحاب المصلحة الى فسطاطين وتركت الناس يعانون لوحدهم في ظـل الاحتلال وانتهاكاته المستمرة. في هذا الصدد تقرر عقـد دورة القدس والتي أملنا أن نتمكن اثرها من قراءة البيان الختامي من داخل المسجد الأقصى، وهو ما حدث بالفعل؟

تم ايفادي نيابة عن رابطة الصحفيين الموريتانيين (النقابة) وكان بررفقتي الزملاء عبد الله و لًمِينْ وبهذا دخلنا الأراضي الفلسطينية انطلاقا من الأردن التي انعقدت بها بداية الدورة بحضور مناديب الدول العربيـة الأعضاء قبل أن يحمل جلهم حقائبه تجاه رام الله حيث ينعقـد في الواقع المؤتمر والذي يمكـ ن القول إن بدايته كانت اقرب الى ورشات خصصت لعرض العضلات الخطابية والمزايدات التي لا تنهي، فلطالما تبادل الزملاء على الميكرفون للتأكيـد على مشـاعـر التضامن و الأخـوة والفداء.

تبقى في الذاكــرة المداخلة الحماسية لأحد الزملاء من شمال افريقيا، فكدليل على مهاراته في اطلاق المبادرات قام بمطالبة المناديب بإظهار دعمهم للشعب الفلسطيني عبر التبرع بالدم، كانت فكرة غير مسبوقة بل إنها رائعـة بما يكفي لتضج القاعة بالتصفيق دعما لهذا الاتجاه، بل إن كبير المفاوضين الفلسطينيين السيد صائب عريقات، وكان يرأس الجلسـة قـد أمر فورا بإحضار عيادة متنقلة لاستلام الدماء المُتبَرَعِ بها. راقت الفكرة للمشاركين وتحولت سريعا لتصبح واقعا، لكن وجه الطرافـة أن صاحب الفكرة ما كان ليتصور التجاوب الفوري فنزل يبحث عني وكنا على موعد لنتريض بالقرب من مقر الإقامة وعرض علي أن نخرج فـورا ولا أخفي أنه انسان لطيف جدا وصاحب نكتة لا يتمالك المرء أمامها سوى القهقهة، وكانت نكتته أو حجته هذه المرة أن ليس “عندي من الدم الكثير حتى أسخى به”! ومع ذلك فقـد تبرع الزملاء بدمائهم بكل صدق واخلاص.

كانت أول مدينة نزورها هي بيت لحـم حيث وقفنا على كنيسة المهـد وكانت في طور الترميم ومع ذلك فتحت أبوابها أمامنا، ومن مميزات البناء أنه يحوي فتحة ضيقـة تؤدي الى مغارة الميلاد حيث توجد النجمة الفضية الموجودة في المذود المزّيَن بالمرمر والمكتوب عليها باللاتينية :” Hic de Virgine Maria Jesus Christus natus est والذي معناه : هنا ولد المسيح يسوع من العذراء مريم.”، وكــم كنت أحس بالسعادة والغبطة لـدى زملاءنا الأقباط والمسيحيون وهـم يقفـون على البقـعة التي ولد بها المسيح، أما ماجدة من الأردن فكانت الأكثر حماسـة حيـن تستعرض كهف الميلاد فهنا توجد مغارة الميلاد التي يعتقد أن السيد المسيح عيسى بن مريم قد ولد بها وعلى بعد أمتار قليلـة منها يوجد مخدع مشذب ومزركش.. إنه المهـد المباركـ.

وبالرغـم من أن زملاءنا المسيحيون –جميعهم- لم يفتوا الفرصـة للبدء بطقوسهم داخـل المكان المباركـ متحسسين الحائط وهـم في حالة ذهول، فإنني لا أنكـر أنـه بدوري لم أتمـالك نفسـي حيث دلفت بـدوري الى مخدع المهـد دون غيري من المسلمين الذين وقفوا يتفرجـون وكيف لا أفعلها وأنا أتواجد في بقعة تعتقد خمسة عشرة طائفة مسيحية جازمـة انها الكهف الذي ولـد فيه عيسى بن مريم رضي الله عنه وفيه يقول تعالى  (( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ )).

في نفس اليوم وهو الذي يـوافق الـ12 يونيه من العام 2014 كان قـد اختفى ثلاثة مستوطنين من بلدة حلحول وهـي العمليـة التي عرفت فلسطينيا بعمليـة الخليل، وكان علينا أن نبدء يومنا نزور المسجد الإبراهيمي وكنت اضع العلم الفلسطيني على رقبتي بعدما تسلمته من محافظ المدينة، وبعد اجتيازنا للحواجز الالكترونية ومرورنا بأسـواق عتيقة باتت حوانيتها بمثابة الشاهد على هجرانها فمدينة الخليل تتعرض منذ الصباح للحصار من قبل الجيش الاسرائيلي والذي يتهم الأهالي اخفاء الشبان المخطوفين، طلب منا نزع العلـم مقابل السماح لنا بولوج المكان وأداء صلاة العصـر فرفضنا جميعا ولم تكن هنالك فرصة للمساوة.. كان علينا العودة الى رام الله سريعا بعدما سرت اشاعـة تفيد بأن المعابـر يجـري التمهيد لإغلاقها بشكل كلـي مما سيجعل المدن الفلسطينية معزولة عن بعضها البعض ويجعلنا كأجانب محتجزين في الخليل.

في النهاية عادت الوفـود، وفي الفندق ابلغنا أن السلطات الفلسطينية ستمكننا فجر الغـد من أداء صـلاة الفجـر بالمسجــد الأقصـى مما يعني أننا سنتمكن من زيارة القـدس ومعالمها، وكــم بدت وجـوه الزملاء في تلك الأمسية باشة ومسرورة لم لا وسنتمكن من قراءة البيان الختامي للدورة داخل باحـة المسجد الأقصى.!؟

يتواصـل…

تعليقات الفيسبوك