رئيس المنتدى يؤبـن رفيق دربه سمير : “كان قدره أن يرحل بصمت بئيس”.

أخواتي وإخواني،

أسرة فقيدنا ابراهيم سمير الصغيرة والكبيرة ، اصدقاؤه و ذويه.

معارفـه، رفـاقـه، جيرته وزملاءه الأعـزاء.

الأسرة الشبابية، والعائلة الفنية، مًحترفي وهُواة المسرح الجميل.

إبننا “سمير” الصغير؛

أيها الجمعُ الكريم والذي ليس سوى إحدى صور التعبير عن العرفان والوفـاء الكريم لهذا الراحل الكبير، الذي ترك لنا ما نتلقاه حباً في قلوبنا وأسماعنا ووجداننا و نفوسنا.

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

الحمد لله رب العالمين الذي صور الخليقة و أظهرها، وطهر القلوب و نورها، فسبحـان قاهر عباده بالموت وهو الحي الذي لا يموت، أعلم أن فقيدنا يعتقد جازما أن جميع ما قدره الله وقضاه لا دافع له غيره ولا رادع له سواه.

ونحن، بدورنا نقابله بجميل الصبر وحسن الرضى وصدق الاتكال على الله سبحانه وتعالى.

اسمحوا لي؛ أولا أن اتقدم أصالـة عن نفسي ونيابـة عنكم جميعا بالتعازي الى عموم اسرة الفقيد، والـده ثم زوجته و ابنته “خدي” وابنه “سمير” وبقية الصغار وكذلك الى امتداداته العائلية في كل مكان.

يصعب عليَ اختزالُ المرحوم ابراهيم سمير ولد إميجن في بضع خطابات،.. بضع كلمات من النثـر، كما يصعب على أي منكم اكتشاف إرث الفقيد وكفاحه من خلال نص مسـرحي أو شعـري..، لكن يمكنني ان أؤكد جازما أن فكر ومواقف ابراهيم سمير تكونت خلال عاملين رئيسيين :

الأول يكمن في اعتناقه لأفكار النهضة العربية وتشبعه برسالة الأدباء والفنانين المصريين خاصة، فمنذ بواكير حياته كان قد إلتهم قراءة أو مشاهدة كافة الروايات أو المسرحيات، وكان الأقدر من بين الجميع على معرفة تفاصيل أحياء وشوارع ومسارح وملاعب القاهرة وهو الذي لم يزرها الا بعد ذلك بكثير.

أما ثانيتها فقـد كان المرحوم رمزا من رموز العطاء والتطوع وخدمة الآخرين ولعل انخراطه في الأندية الشبابية والفرق الثقافية والكشفية قبل أن يصبح اطارا بوزارة الشباب والرياضة التي وصلها بعد أن اكمل دراساته في مجال القانون وتلقى التدريبات في مجاله المفضل، المسرح (أب الفنون) في بيروت، والقاهرة وتونس.

لكن قدره أن يرحل بصمت بئيس، وأن تودعه ثلة من الأصحاب وأن يتجاهل وهو على فـراش المرض الكئيب،.. فهل يمكن لبلاغة المؤبنين فهم أسرار ابتسامته الساخرة منا، ومن الحياة؟ هل هنالك ما هو أعمق أثرا من هُـروبه عن الناس وكـلام المجالس الذي يفضل إزاءه الصمْت المُطبـق!!؟

كان كما تعلمون سريعا في تحويل العلاقات الرفاقية الى علاقات حميمة، يلمسُ ذلك كل منكم كما أحسه في شخصي فأحيانا أكون انا صاحبه الناصح وأحيانا يكون هو أخي الاكبر، وقد نتبادل الأدوار في الأيام الصعبة، وهكذا هـو مع كل من خالطه أو عايشـه.

أدار إبراهيم مدرسـةً لفترة، ثـم تركها لشقيقه “عالي” بعـد ذلك ودعونـي أنقل إليكم احدى صور مد يد العون إلى الضعفاء والدعوة الى التخفيف من معاناة أولياء التلاميذ بل و رفع الظلم عن أوساطهم؛ كان ابراهيما يخصص حصـة معلومة، ومعروفة ومبوبا عليها منـذُ اكثر من عقد من الزمن للذين لا تقدر عائلاتهم على الدفع والتسديد وكان ينتقـي المُتميزين حتى يجنبهم الضياع،..! أما الباقون فقـد كان رؤوفا بأبنائهم يهمه أمرهم ويعنيه مستقبلهم، وليس هذا بالنادر في حياته أو الشاذ، ولا هـو بالسابقة الأولى أو المرة اليتيمة، إنما هُو سخاء اليَدِ وطيبِ النفسِ، وفضل عطاء من لا يستنكف عن ذوي الخصاصـة من الناس.

/ / /

أنا لا أتحدث عنه من خلال مقالاته أو مقابلاته، من خلال فكـره أو مسرحياته ومحاضراته، أنت قد لا توافقـه في تحزباته رغم أن السياسة لم تكن مرتعه ولا مرجعه، وكان يقر بذلك،.. أما المسرح فقـد حاربـه متمسرحـون كثر وتعرض للانتقاد لسبب وجيه أو لعدمه غالبا من قبل أدعياء نظريـة امتلاك الفـن؛ وكان إبراهيما يواجه الجميـع بالإبتسامـة ويمضي..!

ثم يشاء الله أن يكتب له الكثير من المجـد في حياته القصيرة وان يحظـى بالمهابـة والاحترام محليا وعربيا، ثم في حياته وبعد مماته، في شغله وفي بيته، بيـن اسرته الصغيرة وفي عائلة كبار المبدعين فرحمة الله عليك أيها الإنسان العُصامي المُكافح، والفقيد المُبدع الذي نحت اسمه الخاص في كل المحطات والمراحل بهمة عالية و ارادة لم تكن لتلين.

\ \ \

إنني إذ أقف بين أيديكم اليوم ينتابني شعور مزدوج ما بين العرفان والتقدير لاسم المرحوم واسهاماته العظيمة، وما بين الحزن والأسى على رحيله كأي فارس نبيل يغادر قومه، بعدما أفنى حياته بيـن التألق والابداع والتميز، فما أقسى أن أتحدث عن موت أخ بمثابة الشقيق، وعن فقدان صديق كان بمثابة السند، وعـن جار كان يقاسمني ملحه وخبزه وهواجسه، ثم يأتمنني عليها ويرحل تاركا البيت، وأهل البيت !! وما أصعب أن أستعرض مآثر وخصال قريب عرفته على تواضعه و وداعته ناكرا للذات.

” يجب أن لا نبكي على أصدقائنا؛ إنها رحمة أن نفقدهم بالموت و لا نفقدهم و هم أحياء”، لم يكن مُونتسَكْيُو ليقول تلك الحكمة الخالدة عبثا وما كنا لنعلقها لولا ارتباط صدقها بشخص كنا نعلم طموحاته وكنت أدرك تطلعاته، وأترقب عن يقين قدومها، وأعرف أنها مهما تأخرت فستأتي، ومهما تعرقلت فستذلل من امامها العقبات، وستزول من طريقها الصعاب.

ليس في الجسد منتفعٌ كما كان يقول الإمام البوصيري، إنه قبـر الروح حسب إفلاطون، أما الآن وقـد غادرت روح ابراهيم ولد سمير رحمه الله جسده الفاني، بعد أن مل هفوات أهل الدنيا، وبعدما أفنى سنوات عمره قربانا لوطنه وعائلته فأمكن له رفع علم بلاده عاليا خفاقا على ركحٍ عديدة وفي محافل العطاء الثقافي محليا وعـربيا تحت مظلة الأدب والمسرح ولغـة الابتسامـة…، فقـد حق للجميع أن يرثي “سفير المسرح الموريتاني”، وحق لأصحابـه تذكار تسامحه وكياسته واخلاصـه، وكان يسألني عنهم وهُو على فراش المرض، أما أبناؤه و ذوُوه فعليهم الآن حفظ ذاكرته الندية الزكية والتحلي بخلقه الـرفيع وشهامته وسمـو نفسه الأبية.

أنا لا أقول للمرحوم ابراهيم ولد سمير وداعا أيها الصديق والأخ بل وابن العم كما كان يحب أن يناديني، بل أقول له إن أثركم الطيب باق.. إن أثركم الطيب باق، وأقول له لقد مضيت ونحن لا شك على نفس خطاك وعزمك ماضون.

غفر الله لإبراهيم

السلام عليكم

غبيد أميجن سالم

نواكشوط، في 20 سبتمبر 2018

تعليقات الفيسبوك